04 - 07 - 2024

العرب مختلفون حائرون يفكرون ويستنكرون | الحرب على الطريقة الروسية.. تسوية الأرض لا الخلافات

العرب مختلفون حائرون يفكرون ويستنكرون | الحرب على الطريقة الروسية.. تسوية الأرض لا الخلافات

- د. طارق فهمي: موقف تركيا «نفعي» وقدرتها على استكمال المفاوضات ستكشفه الأيام المقبلة
- د. عبدالعزيز ونيس: المعطيات الاستراتيجية واتفاقية مونرو شجعت اردوغان على رعاية المفاوضات
- صلاح لبيب: أنقرة الخاسر الأكبر حال دعمها لروسيا

في الوقت الذي اكتفت فيه عديد من الدول العربية اتخاذ الصمت ملاذًا آمنًا تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا، نجد أن أنقرة تتخذ موقفا أكثر جرأة برعايتها مفاوضات بين أطراف النزاع، ولكن هل ستصمد وتتابع هذه الرعاية؟ وهل سيحرك هذا الموقف التركي المياه العربية الراكدة لتتخذ الدول العربية دورا بعيدا عن مقاعد المتفرجين؟ "المشهد" تستطلع آراء الخبراء في هذا التحقيق.. 

يرى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه لا يوجد موقف عربي موحد، إنما مواقف متفرقة، ويقول: لا نستطيع القول بموقف الشعوب، لأنه لا يوجد شعب يقبل بالحرب أو يدعمها، ولكنها مواقف الحكومات، هناك بعض الدول العربية تؤيد الموقف الروسي صراحة، ودول أخري تتعاطف مع أوكرانيا وتستنكر قتل المدنيين والأبرياء، وموقف ثالث لدول اتخذت الصمت ملاذا آمنا من هذه الحرب، ومصر من خلال الاتصال مع الأطراف المتصارعة تعمل على وساطة دبلوماسية لتهدئة الأوضاع، ولا يعتبر ذلك انقساما، لأن كل دولة تدعم مصالحها، ومن هنا يبدو التأرجح في المواقف.

ونأتي على المقارنة بالموقف التركي الذي يبدو ظاهرا، وهو أمر طبيعي، فكل الأطراف الإقليمية تنشط للوساطة، وتبعا لتغير معطيات الحرب سيتغير الموقف العربي، فالمصالح العربية متشابكة وشديدة التعقيد بين أمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى.

وأوضح د. فهمي أنه وفقاً لحسابات القوة الشاملة، فإن روسيا تستطيع حسم المواجهة الجارية مع أوكرانيا بصرف النظر عن طبيعة الأهداف الموضوعة، هناك جُملة من الأهداف يسعى إليها الجانب الروسي ومنها الوصول إلى ترتيبات أمنية شاملة في القوقاز والبلقان ومناطق التماس بالقرب من البحر الأسود، والعمل على إقرار ترتيبات ممتدة لن تقتصر على أوكرانيا، ولكنها ستمتد إلى مواقع أخرى تعزز الحديث عن الفضاء السوفياتي السابق.

وفي خلفية المستهدفات السابقة، يستقر مخطط يقوده الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى نخبة عسكرية كبيرة، يتبنى في هذا التوقيت الخيار العسكري في مواجهة الجميع.

ولعله سيكون من الخطأ تصور أن الخيار العسكري الروسي موجه فقط ضد دول «الناتو»، ولكنه بصورة أو بأخرى يستهدف أمريكا في الأساس، خصوصاً بعد سنوات من التجاذبات الثنائية والمتعددة والتي لم يفهمها الجانب الأمريكي الذي راهن على احتمالات انكفاء السياسة الروسية على نفسها، وهو ما لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث من الآن فصاعداً.

يمكن القول إن روسيا ستسعى إلى «عسكرة السياسة الدولية»، وهو ما قد يشجع الصين على تكرار نموذج «أوكرانيا - روسيا» ليكون «تايوان - الصين»؛ إذ إن بكين لها حساباتها الكبرى في بحر الصين الجنوبي.

ومن المؤكد كذلك أن روسيا لن توقف العمليات العسكرية، إلا بعد أن تطمئن إلى أن الترتيبات الأمنية التي خططت لها تحققت، وهو ما يعني أن أوكرانيا جزء من كل، وأن ما يلي من خطوات هو الأهم.

بشكل أو بآخر تريد روسيا نقل رسائل إلى الغرب والولايات المتحدة بأنها لن تقبل بأنصاف حلول؛ وأن منطقة البحر الأسود ستظل منطقة نفوذ لموسكو، وأن ما يجري الآن سيكون مقدمة حقيقية لما هو قادم من تطورات سياسية واستراتيجية ستفرضها روسيا بالأساس وليس أي دولة أخرى، ومن خلال إعادة الترتيبات الأمنية والاستراتيجية الروسية.

ومع فشل مجلس الأمن في التعامل مع الأمر بأكمله، فإن التخطيط للذهاب إلى الجمعية العامة لتفعيل نظام «متحدون من أجل السلام» لن يكون مجدياً، وسيكون في إطار دلالاته الرمزية وحسب، وهو ما يدركه الجانب الأميركي جيداً.

وبالنظر إلى إدارة الرئيس جو بايدن، فإنها تبدو عاجزة عن تحريك المشهد الراهن؛ إذ لا يمتلك الرئيس الأمريكي خيارات مختلفة، ولا يزال يتحدث عن نظام العقوبات الذي فشل أصلاً مع كوريا الشمالية وإيران، كما أن امتداد العقوبات لنظام «سويفت» قوبل بالتحفظ بسبب تأثر محتمل للدول الأوروبية والولايات المتحدة جراء استخدامه.

ومن ناحية أخرى، فإن العقوبات التي تم الإعلان عنها سواء من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، ستؤثر سلباً على الأوضاع الروسية؛ وخاصة أنها اقتربت من قطاع الطاقة الروسي.

ولم يختلف الأمر في أوروبا، حتى أن تجميد ألمانيا لخط «نورد ستريم 2» (وهو لم يعمل بعد) سيكون له تداعيات مكلفة أوروبياً بالمقام الأول.

وكما هو متوقع فإن الانعكاسات والتأثيرات السياسية الداخلية للأزمة ستظهر سريعاً على الجانب الغربي، إذ إن الإدارة الأميركية ستواجه انتخابات التجديد النصفي في ظل انخفاض شعبية الرئيس بايدن؛ فيما ستخوض فرنسا خلال الـ40 يوماً المقبلة انتخابات المرحلة الأولى للرئاسة.

وعلى صعيد الدعم العسكري، فإن قرار واشنطن وعواصم أوروبية أخرى دعم تسليح الجانب الأوكراني لن يغادر النطاق الرمزي، في ظل الترجيح الكبير لقدرات روسيا عسكرياً، وعدم قدرة دول حلف «الناتو» على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة. ومن المهم هنا كذلك الإشارة إلى أن إعادة تموضع القوات الأميركية في بعض العواصم الأوروبية لا تعني استخدام هذه القوات في أي مواجهة حقيقية في المدى القصير.

برجماتية تركيا

ولا يستبعد الدكتور طارق فهمي أن تكون هناك ارتدادات مباشرة وغير مباشرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها جراء هذه الحرب، ورغم محاولة التخفيف من السلبيات المحتملة مثل فشل الترتيبات العسكرية، والتوسع في نطاق حلف الأطلنطي، ليتمدد، غير أنه يقول بأن الخطر الأكبر سيكون على منطقة الخليج، والأخطر هو تمرير اتفاق إيراني بين الدول الخمس بما يمثل خطرا حقيقيا على الأمن القومي العربي.

وبالعودة إلى الموقف التركي فهو موقف نفعي برجماتي، فتركيا تريد تسجيل حضور في المشهد، وتملك أوراق ضاغطة، ورحبت روسيا بأكثر من اتصال وبالوساطة التركية، ولكن هل تركيا قادرة على رعاية المفاوضات وتحليل المشهد أم مجرد عروض، فما يحدث الآن مجرد لقاءات استكشافية، والمفاوضات شاملة لأوكرانيا وروسيا، ليس هذا فحسب إنما هناك لقاءات خلف الستار بين أمريكا وروسيا، وأمريكا والناتو، وأي بداية للمفاوضات واستكشافها مهم لمعرفة خط سيرها بأي اتجاه، والسؤال هنا هل تركيا قادرة على استكمال المفاوضات ورعايتها حتى النهاية، أم هو مجرد بداية ودعوة للتهدئة؟

الطريقة الروسية

وأضاف: المرحلة المقبلة شديدة الحساسية؛ إذا ما طلبت روسيا مساعدات أمنية وعسكرية من حلفائها، ولا يخفى على أحد أن الطريقة الروسية في الحروب هي تسوية الأرض، تحسبا لفشل المفاوضات، وهو ما بدأ السلاح الروسي فعله ويعمل على تنفيذه بجدية حتى يضع يده على المفاعلات النووية الأوكرانية الخمس.

أما موقف أوكرانيا فلا تحسد عليه حيث تخلى عنها الجميع، وأمام التهديد الروسي الذي قال بأن أي دولة أوربية تمد أكرانيا بالسلاح تعرض أراضيها مباشرة لضربات روسية، وهو تهديد جاد جعل كل دول حلف الناتو تتراجع عن الامدادات العسكرية لأوكرانيا.

وفي ضوء الحقائق والمعطيات والأهداف السابقة، فإنه يمكننا القول إنه لن يكون هناك تفاوض حقيقي عاجل؛ خصوصاً أن الأطراف المرشحة للحوار لا تملك مقاربات حقيقية للتفاوض أو ممارسة دور الوسيط.

وعلى العكس فإن الأطراف المطروحة سيكون لكل منها حساباته وتقديراته السياسية والاستراتيجية، مع الوضع في الاعتبار الأضرار الواسعة التي تهدد الأمن الأوروبي جراء هروب الفارين من جحيم العمليات، وما قد ينطوي عليه الأمر من تسرب عناصر إرهابية إلى داخل أوروبا.

وبناءً على استبعادنا فكرة الحسم السريع للأزمة والعودة للتفاوض نتيجة لغياب الإرادة السياسية الحقيقية؛ فإن البديل الأقرب سيكون الاستمرار في نهج المشهد العسكري لأطول مدة لحين فرض استراتيجية الأمر الواقع، والانتقال إلى فرض استراتيجية الحسم في أوكرانيا ومناطق التماس.

ووفق سيناريو استمرار العمليات العسكرية حتى تحقيق الأهداف الروسية، فإن ذلك سيضع الولايات المتحدة في مأزق سياسي معقد في ضوء ترتيبات أمنية مفروضة من روسيا، وسيكون على واشنطن مراجعة حساباتها؛ إذ سيمثل المشهد الجديد مساساً بالمركز العالمي للولايات المتحدة ورئاستها للنظام الدولي الراهن.

أما الدلالة الأكبر لسيناريو الاستمرار في الخيار العسكري، فإنه قد يمتد إلى مناطق الفضاء السوفيتي الأكبر، وهو ما يعني عدم عودة الجيش الروسي إلى ثكناته قبل إتمام المهمة الكبرى التي يمكن اعتبارها إعادة تجميع الدولة السوفياتية الكبرى، وهو ما تتخوف من تداعياته الولايات المتحدة التي لن تستطيع الدخول في مواجهات مع روسيا في هذه المنطقة.

وفي حال نجاح موسكو في فرض تصورها سريعاً، فإن واشنطن قد تقبل بأنصاف حلول لا تضر بأمنها، غير أن ذلك سيصاحبه إغلاق ملف «توسيع حلف الناتو» في إطار ما سيجري لاحقاً من ترتيبات ستشمل أمن دول الاتحاد السوفياتي السابق.

ومن ثم فإن الاحتكام لأي سيناريو ستمضي فيه الأزمة الراهنة سيكون مرتبطاً بالأساس بالجانب الروسي، وليس أي طرف آخر، خصوصاً مع تجاذب مصالح الدول الأوروبية، واستمرار التباين في وجهات النظر تجاه إقرار منظومة العقوبات المفروضة الآن، والتي تحتاج إلى عدة أشهر لكي تنفذ أو تفعل بالمعنى المرجو منها.

والمعنى الكُلي للأزمة، وفق معطياتها الراهنة، يشير إلى أن روسيا ستمضي في مسار واحد مع التركيز على إتمامه، والانتقال من المخططات الاستراتيجية إلى السياسية، ثم التفاوض من أعلى، ووفق مقاربة مختلفة تؤكد حق روسيا في الدفاع الشرعي عن أمنها بمواجهة أي ترتيبات محتملة لدول حلف «الناتو».

دراما تركية

كما يرى د. عبد العزيز ونيس، الخبير في العلاقات الدولية وأستاذ الفلسفة السياسية في جامعة السوربون في ‏باريس أن الموقف التركي والمقاربة التركية براغماتيان بامتياز، ويقول بحسب تصريحات لإذاعة مونت كارلو الفرنسية: الوضع يتحول من الخيال الاستراتيجي التركي إلى تراجيديا الحرب في أوكرانيا والعمليات العسكرية الروسية ضدها شيئا فشيئا ، إلى حضور عسكري مطول يحكم السيطرة و يضع قواعد اشتباك جديدة بين روسيا والبلدان الغربية، فيجعل من مواجهة روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة فرصة ذهبية لتعزيز موقعه عند الطرفين المعنيين بالصراع، وبالتالي يمكن أن يكون أردوغان صديق روسيا التي عمق علاقته برئيسها منذ محاولة الانقلاب سنة 2016، والتي كادت أن تطيح بالرئيس التركي لولا دور عناصر مدعومة حسب الكثير من الدراسات من المخابرات الروسية التي يبدو أنها أعانت أردوغان و الموالين له على إجهاض الانقلاب"، فإن أردوغان يعمل على تحويل الدَين الذي يدين به لبوتين إلى استحقاق استراتيجي، إذ من حيث المعطيات الاستراتيجية هو مالك مفاتيح معابر بحري البوسفور والبحر الأسود بموجب اتفاقية مونرو ، كما أنه من جهة ثانية يمكن لتركيا، البلد صاحب ثاني أكبر احتياط عسكري بري في حلف الناتو والسور الذي يحمي شرق أوروبا برا وبحرا وجوا عبر انتشار القواعد العسكرية، المساومة وتعزيز موقعها للمطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا سيما إذا أصبح انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي ضمن مشاريع التكتل القاري".

الخاسر الأكبر

في حين يرى صلاح لبيب الصحفي والخبير في الشؤون التركية أن كلا الجانبين العربي والتركي سيتعرض لخسائر كبري من وراء الأزمة بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، سواء ع المستوي السياسي أو الاقتصادي أو الأمني لكن خسائر تركيا أكبر.

ويقول: الوضع الأمني التركي صار مهددا بشكل بالغ من التوسع الروسي، ولا ننسي أن أنقرة انضمت اساسا لحلف الناتو في الخمسينات من القرن الماضي خوفا من الأطماع الروسية فيها. ولذا فالبوتينية الجديدة أكبر مهدد للوضع السياسي والأمني في تركيا. كما أن أنقرة ستتعرض خسائر كبرى من الناحية الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط في ظل اعتماد تركيا بشكل شبه كامل علي الخارج لتأمين احتياجاتها النفطية، كما تضرر تعاون الدولتين الاقتصادي مع أنقرة ومن الناحية السياحية مع روسيا.
--------------------------
تحقيق – آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي








اعلان